أُلقيت يوم الجمعة، العشرين من شهر محرَّم، سنة ست وأربعين وأربع مئة وألف من الهجرة، في المسجد النَّبوي.
مترجمة إلى 23 لغة :
الإنجليزية – English الفرنسية – Français طاجيكية – тоҷикӣ البنغالية – বাংলা الأوردية – اردو الأسبانية – Español الألمانية – Deutsch الفارسية – فارسى هوسا – Hausa التركية – Türkçe البرتغالية – Português الروسية – русский الهندية – हिन्दी الإندونيسية – Bahasa Indonesia الجورجية – ქართული المليبارية – മലയാളം الماليزية – Bahasa Melayu الألبانية – Shqip السواحلية – Kiswahili التاميلية – தமிழ் السويدية – svenska الكازاخية – Қазақ الفلاتية – Fulfulde
إنَّ الحمدَ للَّهِ، نَحمدُه ونَستعينُه ونَستغفرُه، ونَعوذُ باللَّهِ مِن شُرورِ أنفسِنا ومِن سيِّئاتِ أعمالِنا، مَن يهدِه اللَّهُ فلا مُضِلَّ لهُ، ومَن يُضلِلْ فَلا هادِيَ لهُ، وأَشهدُ أن لَا إلهَ إلَّا اللَّهُ وحدَه لا شَريكَ لهُ، وأَشهدُ أنَّ نبيَّنا مُحمَّداً عبدُه ورسولُه، صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلى آلِه وأصحابِه، وسلَّمَ تَسلِيماً كثيراً.
أمَّا بعدُ:
فاتَّقوا اللَّهَ – عِبادَ اللَّهِ – حقَّ التَّقوى، وراقِبُوهُ في السِّرِّ والنَّجوى.
أيُّها المسلمون:
بعث اللَّه رُسلَه ليخرجِوا النَّاس من الظُّلمات إلى النُّور، فمَن أجابهم خرج إلى نور الهداية، ومَن لم يُجبْهم بقِيَ في ظلمةِ الجهل والغفلةِ عن نفسه وكمالِها.
والغفلةُ عن الدِّين والدَّار الآخرة أصلُ الشُّرور، ومن أعظم أمراض القلوب، ويُحرم بهَا العَبْد خيرَ الدُّنيا والآخرة، وَلَذَّةَ النَّعيم فِيهما، ولا يَدخل النَّقصُ على العبد إلَّا مِن بابها.
وقد أخذ سبحانه على بني آدم الميثاق بأنَّه ربُّهم ومعبودهم وحده لئلَّا يعتذروا بالغفلة، قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾، وأنزل تعالى القرآن قطعاً لحجَّتها، قال سبحانه: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ﴾.
ونهى اللَّه رسولَه صلى الله عليه وسلم أن يكون من الغافلين فقال: ﴿وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ﴾، وكان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يتعوَّذ منها بقوله: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ العَجْزِ وَالكَسَلِ، وَالبُخْلِ وَالهَرَمِ، وَالقَسْوَةِ وَالغَفْلَةِ» (رواه ابن حبَّان).
وأمر اللَّه رسولَه صلى الله عليه وسلم بإنذار النَّاس قبل أن يتحسَّروا على غفلتهم: ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾، وأخبر سبحانه باقتراب حساب النَّاس ليستيقظوا من غفلتهم؛ ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ﴾، وذمَّ تعالى مَن يعلمون ظاهراً من الدُّنيا وهم غافلون عن الآخرة؛ ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾.
وكلُّ أمَّة انقطع عنها الإنذارُ، وتُرك فيها التَّذكيرُ تقع في الغفلةِ؛ ﴿لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ﴾، وأخبر اللَّه أنَّ كثيراً من النَّاس عن آياته غافلون؛ ﴿وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغَافِلُونَ﴾.
ومن أسباب الغفلة: حبُّ الدُّنيا والرُّكون إليها، وتقديم محابِّها على الآخرة؛ قال سبحانه: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾، قال بعضُ الحُكماء: «مَنْ نَظَرَ إِلَى الدُّنْيَا بِغَيْرِ العِبْرَةِ؛ انطَمَسَ مِنْ بَصَرِ قَلْبِهِ بِقَدْرِ تِلْكَ الغَفْلَةِ».
والإعراضُ عن تلاوة القرآن وذكرِ اللَّه يوجب الغفلةَ وموتَ القلب، قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ» (رواه البخاري)، ومآل ترك الجُمعات تهاوناً وكسلاً الغفلةُ؛ قال صلى الله عليه وسلم: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الجُمُعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الغَافِلِينَ» (رواه مسلم)، وصُحبةُ الغافلين تورث الغفلةَ، وقد نَهى سبحانه عن صحبتهم، وعن طاعتهم والقَبول منهم، قال تعالى: ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا﴾.
ومن الاغترار أنْ يُسِيءَ العبد فيرَى إحساناً؛ فيظُنَّ أنَّه قد سُومح، ورُبَّما رأى سلامةَ بدَنهِ وماله؛ فظنَّ أنْ لا عقوبة عليه، وما عَلِم أنَّ غفْلته عمَّا عوقب به من أعظم العقوبة، قال سبحانه: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ﴾، قال ابن كثير رحمه الله: «معناه: أنَّه يفتح لهم أبواب الرزق ووجوه المعاش في الدُّنيا، حتى يغترُّوا بما هم فيه، ويعتقدوا أنَّهم على شيء».
والسَّلامةُ من الغفلة أمرٌ عزيز؛ فقد تَلحَقُ العبد التَّقيَّ، ولكنَّه سُرْعان ما يتنبَّهُ ويتذكَّرُ فيتوبَ، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾.
واليقظة من الغفلة أوَّلُ مفاتيح الخير؛ وتتحقَّق بامتثال أوامر اللَّه ورسوله، قال جلَّ شأنه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾، وممَّا يوقظ منها تلاوة كتاب اللَّه العظيم؛ ﴿هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ﴾، والمحافظةُ على الصَّلوات الخمس ممَّا ينجِّي منها، قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَافَظَ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ المَكْتُوبَاتِ؛ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الغَافِلِينَ» (رواه ابن خزيمة)، وقيام اللَّيل بعشر آياتٍ زكاةٌ مِن الغفلة، قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الغَافِلِينَ) «رواه أبو داود).
وحِلَق القرآن والسُّنَّة ومجالس العلم تزيلُ الغفلة عن القلوبِ؛ قال تعالى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾، قال ابن القيِّم رحمه الله: «مجالس الذِّكر مجالسُ الملائكة، ومجالسُ اللَّغو والغفلةِ مجالسُ الشَّياطين، فَلْيتخيَّرِ العبدُ أعجبَهما إليه، وأولاهما به؛ فهو مع أهله في الدُّنيا والآخرة»، والغفلةُ حِجابٌ بين العبد وربِّه، والذِّكر يزيل ذلك الغطاء، ويَطرُد الشَّيطانَ، قال تعالى: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ﴾.
وأداءُ العبادات في الأوقات التي يغفل عنها النَّاس ممَّا يُنجِي من الغفلة؛ قال أسامة بن زيد رضي الله عنهما: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْراً مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، قَالَ: ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ» (رواه النَّسائيُّ).
والتَّوبة سببُ طهارةِ القلب، والسَّلامةِ من الغفلة؛ قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ العَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً؛ نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ – أي: نقطة – سَوْدَاءُ، فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ؛ سُقِلَ قَلْبُهُ» أي: مُحيت عنه تلك النُّقطة (رواه التِّرمذي).
والموتُ موعظةٌ صامتة؛ قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ القُبُورِ فَزُورُوهَا؛ فَإِنَّ فِي زِيَارَتِهَا تَذْكِرَةً» (رواه أبو داود)، والإكثارُ من ذِكر الموت صلاحٌ للقلب، وسلامةٌ من الغفلة؛ قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ – أي: قاطع – اللَّذَّاتِ – يعني: الموت -» (رواه أحمد).
والشَّيطان يترقَّب غَفلَة العبد ولا يزَال به حَتَّى يغطِّيَ القلب ويُعمِيَه، فيكون قلبه الغافل مأوى للشَّيطان، ومَن غفل عن اللَّه؛ عوقب بطَمْسِ البصيرة، فيُصدُّ عن معرفة اللَّه وآياته، وتمييز الحقِّ من الباطل؛ قال سبحانه: ﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ﴾.
وإذا استحكمت الغفلةُ؛ فصاحبها لا يفقه ولا يبصر ولا يسمع ولا يعقل، ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾، وهي سببُ انتقام اللَّه من العبد وهلاكه، قال عز وجل: ﴿فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ﴾، وتوعَّد اللَّه الغافلين بالنَّار؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾.
ويومَ القيامة يُكشف غطاء الغشاوة عن قلوبهم، ويُبصِرون ما كانوا يُنكِرون ﴿لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾، ويُقِرُّون بغفلتهم ويندمون عليها، ﴿وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا﴾، وإذا ولجوا النَّارَ أعادوا كرَّة النَّدامة على غفلتهم؛ ﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾.
وبعد أيُّها المسلمون:
فالغافل ليس بمغفول عنه؛ قال تعالى: ﴿وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾، وجماع الشَّرِّ: الغفلةُ والشَّهوةُ؛ فالغفلة عن اللَّه والدَّار الآخرة تسدُّ باب الخير، والشَّهوة تفتح باب الشَّرِّ، وكلَّما كان القلب أبعدَ من اللَّه كانت الآفاتُ إليه أسرعَ، وكلَّما قرُب من اللَّه بعُدت عنه الآفاتُ؛ والبعدُ من اللَّه مراتبُ، بعضُها أشدُّ من بعض، ولا خَلاص من بلوى المعْصِيَة إلَّا بالتَّخلُّص من الغَفْلَة.
أعوذ باللَّه من الشَّيطان الرَّجيم
﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾
بارك اللَّه لي ولكم في القرآن…
الحمد للَّه على إحسانه، والشُّكر له على توفيقِه وامتنانِه، وأشهد أن لا إله إلَّا اللَّهُ وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أنَّ نبيَّنا مُحمَّداً عبدُه ورسولُه، صلَّى اللَّه عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليماً مزيداً.
أيُّها المسلمون:
دخول الشَّيطان على العبد من الغفلة والشَّهوة والغضب، وصدأُ القلب بالغفلة والذَّنب، وجِلاؤه بالاستغفار والذِّكر، ومن علامة صحَّة القلب: أنَّه لا يزال يحدو بصاحبه، حتَّى يُنيبَ إلى اللَّه، ويُخْبِتَ إليه، ويتعلَّقَ به.
ومَن غَفَلَ عن نفْسه؛ تصرَّمَتْ أوقاتُه، واشتدَّت عليه حسراتُه؛ فاستدرِكوا ما فاتَ بما بقِيَ، ومَنْ أصلحَ ما بقِيَ غُفِر له ما مضى، والرَّشيدُ مَنْ وَقَفَ مع نفْسِه وقْفةَ حسابٍ وعتابٍ، يُصَحِّحُ مسيرتَها، ويَتَداركُ زَلَّتَها، ويتصفَّحُ في ليلِه ما صَدَر من أفعال نهارِه، قال ابن حِبَّان رحمه الله: «أَفْضَلُ ذَوِي العُقُولِ مَنْزِلَةً: أَدْوَمُهُمْ لِنَفْسِهِ مُحَاسَبَةً».
ثُمَّ اعلموا أنَّ اللَّه أمركم بالصَّلاة والسَّلام …