انتظر قليلا 0%

خطبة الجمعة | ختام الشهر | ١ شوال ١٤٤٤



ختام الشهر

أُلقيت يوم الجمعة، الأول من شهر شوال، سنة أربع وأربعين وأربع مئة وألف من الهجرة، في المسجد النَّبوي.

تحميل word   تحميل PDF   |   البنغالية – বাংলা   الألمانية – Deutsch   الإنجليزية – English   الأسبانية – Español   الفارسية – فارسى   الفرنسية – Français   هوسا – Hausa   الهندية – हिन्दी   الإندونيسية – Bahasa Indonesia   الإيطالية – Italiano   المليبارية – മലയാളം   الماليزية – Bahasa Melayu  البرتغالية – Português   الروسية – русский   الألبانية – Shqip   السواحلية – Kiswahili   التاميلية – தமிழ்   الطاجيكية – тоҷикӣ   التركية – Türkçe   الأوردية – اردو   الصينية – 中文


إنَّ الحمدَ للَّهِ، نَحمدُه ونَستعينُه ونَستغفرُه، ونَعوذُ باللَّهِ مِن شُرورِ أنفسِنا ومِن سيِّئاتِ أعمالِنا، مَن يهدِه اللَّهُ فلا مُضِلَّ لهُ، ومَن يُضلِلْ فَلا هادِيَ لهُ، وأَشهدُ أن لَا إلهَ إلَّا اللَّهُ وحدَه لا شَريكَ لهُ، وأَشهدُ أنَّ نبيَّنا مُحمَّداً عبدُه ورسولُه، صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلى آلِه وأصحابِه وسلَّمَ تَسلِيماً كثيراً.

أمَّا بعدُ:

فاتَّقوا اللَّهَ – عِبادَ اللَّهِ – حقَّ التَّقوى، وراقِبُوهُ في السِّرِّ والنَّجوى.

أيُّها المُسلِمونَ:

ودَّع المسلمون موسِماً حافِلاً بالبركات، فهنيئاً للفائزين فيه، ولْيَحمَدوا اللَّه على تيسير عمل الطاعة فيه، ولْيُوَاصلوا الإحسان، ولْيَفرحوا بسابغ فَضْلِ اللَّهِ عليهم، قال جلَّ شأنه: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}، قال ابن كثير رحمه الله: «أَيْ: فَلْيَفْرَحُوا بِهَذَا الَّذِي جَاءَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنَ الهُدَى وَدِينِ الحَقِّ، فَإِنَّهُ أَوْلَى مَا يَفْرَحُونَ بِهِ مِمَّا يَجْمَعُونَ مِنْ حُطَامِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا مِنَ الزَّهْرَةِ الفَانِيَةِ الذَّاهِبَةِ لَا مَحَالَةَ».

وخيرُ النَّاس مَن عمَّر حياته بالعمل الصالح، قال عليه الصلاة والسلام: «خَيْرُ النَّاسِ مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ» (رواه الترمذي)، ومن علامة قَبول العمل الصَّالح: الاستمرارُ على الطَّاعة والزِّيادةُ فيها، قال تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ}.

والاستقامة على الطَّاعة من صفات عباد اللَّه المؤمنين، قال عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ استَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُواْ وَلَا تَحزَنُواْ وَأَبشِرُواْ بِالجَنَّةِ الَّتِي كُنتُم تُوعَدُونَ}، واللَّهُ أمر نبيَّه والمؤمنين بالاستقامة، وحَثَّهم على ملازمتها، فقال سبحانه: {فَاستَقِمْ كَمَا أُمِرتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ}، وهي مِفتاحٌ للخيرات، قال عزَّ وجلَّ: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُواْ عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسقَينَهُمْ مَّاءً غَدَقاً}.

وإذا أتمَّ المسلمُ عملاً صالحاً، فَلْيَخْشَ من عَدَمِ قَبولِه، قال عز وجل: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}، قال عليٌّ رضي الله عنه: «كُونُوا لِقَبُولِ العَمَلِ أَشَدَّ اهْتِمَاماً مِنْكُمْ بِالعَمَلِ».

والمؤمن يجمع بين إحسان ومخافة، حَالُه كما قال سبحانه: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ}، قالت عائشة رضي الله عنها: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، هُمُ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟ قَالَ: لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ، وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا تُقْبَلَ مِنْهُمْ، {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}» (رواه الترمذي).

وإنْ تفاءل العاملُ بأنَّ عَمَلَه قد قُبِل، فَلْيَحذَر من فسادِه بالعُجْبِ به، فالعُجْبُ بالعَمَلِ أَمْنٌ مِنْ مَكْرِ اللَّه، وتقصيرٌ في العَمَلِ، ونسيانٌ للذُّنوب، قال ابنُ مسعود رضي الله عنه: «الهَلَاكُ فِي اثْنَتَيْنِ: القُنُوطِ وَالعُجْبِ».

وزكريا عليه السلام وأهلُه مع طاعتهم للَّه ودعائهم إيَّاه كانوا خائفين منه تعالى، فأثنى عليهم بقوله: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}، قال أبو العالية رحمه الله: «أَيْ: خَائِفِينَ».

والعُجْبُ يُدْفَعُ بالإقرار بالذنوب والتقصير في العمل الصالح، وبتَذَكُّرِ آلاء اللَّه، وبالوَجَلِ من زوال النِّعَم عند تضييع الشُّكْرِ، وبالدُّعاء بحِفْظِ العَمَلِ الصَّالح، وطَلَبِ المغفرة والرِّضوان.

ومن فضل اللَّه أنَّ بابَ الطَّاعة مفتوحٌ في جميعِ العام، واللَّهُ يُعبَدُ في كلِّ زمان.

وعمل المؤمن ليس له أجل دون الموت، قال سبحانه: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ اليَقِين}، قيل للإمام أحمدَ رحمه اللَّه: «مَتَى الرَّاحَةُ؟ قَالَ: عِنْدَ وَضْعِ أَوَّلِ قَدَمٍ فِي الجَنَّةِ».

المُسلمُ يُكثِرُ من الطَّاعة لِيَزداد نعيمُه في الآخرة، ومِنْ فَضْلِ اللَّه على عبادِه: أنَّ الأعمالَ الصَّالحةَ التي في رمضانَ دائمةٌ طوالَ العام؛ فتلاوةُ القرآنِ العظيمِ مأمورٌ بها على الدَّوام، وقيامُ اللَّيل مشروعٌ في كلِّ ليلة، والذِّكْرُ لا حياةَ للقلوبِ إلَّا به، والصَّدَقةُ بابٌ مفتوح، والدُّعاءُ لا غِنَى عنه في كلِّ حين.

ومما يُحِبُّه اللَّهُ: المُدَاومةُ على العَمَلِ الصَّالح ولو كان قليلاً، قال : «أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ» (متفق عليه)، قال النَّوويُّ رحمه الله: «القَلِيلُ الدَّائِمُ خَيْرٌ مِنَ الكَثِيرِ المُنْقَطِعِ؛ لِأَنَّ بِدَوَامِ القَلِيلِ تَدُومُ الطَّاعَةُ وَالذِّكْرُ وَالمُرَاقَبَةُ وَالنِّيَّةُ وَالإِخْلَاصُ وَالإِقْبَالُ عَلَى الخَالِقِ سبحانه وتعالى، وَيُثْمِرُ القَلِيلُ الدَّائِمُ بِحَيْثُ يَزِيدُ عَلَى الكَثِيرِ المُنْقَطِعِ أَضْعَافاً كَثِيرَةً».

وبعدُ؛ أيُّها المسلمون:

فافْرَحُوا بعيدِكم تفاؤلاً بقَبولِ أعمالكم، وأَدْخِلوا السُّرورَ فيه على أنفسِكم وأهلِيكم، واجعلوا فرحتَكم بالعيدِ مَصْحُوبةً بتقوى اللَّه وخشيتِه، واحذروا أن تُجاوِزُوا – في العيدِ وغيره – ما حَدَّه اللَّهُ لكم؛ فتَهْدِموا ما شَيَّدْتُمُوه في رمضانَ، فرَبُّ رمضانَ هو رَبُّ الشُّهور والأعوام، ولْيَكُنْ على وجوهِكم في العيدِ وغيرِه نورُ الطَّاعةِ وسَمْتُ العبادة، قال عليٌّ رضي الله عنه: «كُلُّ يَوْمٍ لَا نَعْصِي اللَّهَ فِيهِ فَهُوَ لَنَا عِيدٌ».

أعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم

{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّنْ ذَكَرٍ أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحسَنِ مَا كَانُواْ يَعمَلُونَ}.

بارك اللَّهُ لي ولكم في القرآنِ العظيم …


الخطبة الثَّانية

الحمدُ للَّهِ على إحسانِه، والشُّكرُ لهُ على توفيقِه وامتِنانِه، وأَشهدُ أن لَا إلهَ إلَّا اللَّهُ وحدَه لا شريكَ لهُ تعظِيماً لشَأنِه، وأَشهدُ أنَّ نبيَّنا مُحمَّداً عبدُهُ ورسولُه، صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلى آلِه وأصحابِه وسلَّمَ تسلِيماً كثيراً.

أيُّها المسلمون:

لَإِنْ رحل الصوم في شهر رمضان فالصِّيامُ لا يزالُ مشروعاً في غيرِه من الشُّهور، فأَتْبِعُوا صيامَ رمضان بصيامِ سِتٍّ من شوَّال، قال النَّبِيُّ : «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتّاً مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» (رواه مسلم)، وكانت كصيام الدَّهْر لأنَّ الحَسَنَة بعَشْرِ أمثالها؛ فرمضانُ بعَشَرَة أشهر، والسِّتَّةُ بشهرين.

وسَنَّ النَّبيُّ صيامَ يومي الاثنين والخميس، وقال: «ذَانِكَ يَوْمَانِ تُعْرَضُ فِيهِمَا الأَعْمَالُ عَلَى رَبِّ العَالَمِينَ، وَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» (رواه أحمد).

وأَوْصَى عليه الصلاة والسلام أبا هريرة رضي الله عنه بصيام ثلاثةِ أيَّام مِن كُلِّ شهرٍ (متفق عليه)، وقال: «صَوْمُ شَهْرِ الصَّبْرِ – أَيْ: رَمَضَانَ –، وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ؛ صَوْمُ الدَّهْرِ» (رواه أحمد).

وإذا فُتِحَ بابُ خيرٍ فبَادِرْ إليه؛ فالأبوابُ لا تُفتَحُ على الدَّوام.

ثمَّ اعلموا أنَّ اللَّهَ أمركم بالصَّلاة والسَّلام على نبيِّه…