أُلقيت يوم الجمعة، الأول من شهر شعبان، سنة ثلاث وأربعين وأربع مئة وألف من الهجرة، في المسجد النَّبويِّ.
تحميل word تحميل PDF | বাংলা English فارسى Français Hausa हिन्दी Bahasa Indonesia Bahasa Melayu русский Shqip Kiswahili தமிழ் тоҷикӣ Türkçe اردو 中文
إنَّ الحمدَ للَّه، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا، مَنْ يَهده اللَّه فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلَّا اللَّهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسوله، صلَّى اللَّه عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليماً كثيراً.
أمَّا بعدُ:
فاتَّقوا اللَّه – عبادَ اللَّه – حقَّ التَّقوى، وراقبوه في السرِّ والنَّجوى.
أيُّها المسلمون:
للَّه تعالى الأسماءُ الحسنى، المُتَضَمِّنة لأكمل الصِّفات وأعلاها، وأسماء اللَّه وصفاته يَدُل بعضها على بعض، والناس في عبوديته والقُرب من منه على قَدْر عِلمهم بأسمائه وصفاته، ومِنْ أسمائه ما لو أحصاه العبدُ لَدخل الجنة، وكلُّ ما في الكونِ من حركة أو سكون فهو من آثار أسمائه وصفاته، قال جلَّ شأنه: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا}.
ومِنْ أسمائه تعالى التي سمَّى بها نفسه، وتعرَّفَ بها إلى خلقه: الحفيظُ والحَافظ؛ حَفِظ ما أوجده من المخلوقات بقُدْرته، ولولا حِفْظه لَزالت واضمحلَّت، ولولا عِنايته لاخْتلَّ نظام الخلق وعَدَا بعضُه على بعض.
فالسَّمواتُ والأرض وما فيهما وما بينهما إنَّما تقومُ بأمره، قال جلَّ شأنه: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ}، وحَفِظهما وما فيهما لِتَبقى مدة بقائه فلا تَزول ولا تَنْدَثر، وحِفْظُهما أهونُ شيء عليه وأيسرُه، {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}.
وحِفْظُه سبحانه شاملٌ لجميعِ مخلوقاتِه، لا يستغني منهم شيءٌ عَنْ حِفْظه طرفةَ عين، ﴿إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ﴾، وما في السَّماء ولا فوقَ الأرض ولا تحتَها شيءٌ إلا وهو محفوظٌ في كتاب، {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ}، قال ابن كثيرٍ رحمه اللَّه: «أَيْ: قَدْ عَلِمْنَا مَا تَأْكُلُ مِنْ أَجْسَادِهِمْ فِي البِلَى، نَعْلَمُ ذَلِكَ وَلَا يَخْفَى عَلَيْنَا أَيْنَ تَفَرَّقَتِ الأَبْدَانُ، وَأَيْنَ ذَهَبَتْ، وَإِلَى أَيْنَ صَارَتْ؟».
ومِنْ حِفظه لِعبادِه: أنْ وكَّل بهم ملائكةً مُعَقِّباتٍ من بين أيديهم ومن خلفهم، يحفظونهم من المضَارِّ والآفَات بأمر اللَّه، ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾، قال مجاهد رحمه اللَّه: «مَا مِنْ عَبْدٍ إِلَّا لَهُ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ، يَحْفَظُهُ فِي نَوْمِهِ وَيَقَظَتِهِ مِنَ الجِنِّ وَالإِنْسِ وَالهَوَامِّ، فَمَا مِنْهَا شَيْءٌ يَأْتِيهِ يُرِيدُهُ إِلَّا قَالَ: وَرَاءَكَ! إِلَّا شَيْئاً يَأْذَنُ اللَّهُ فِيهِ فَيُصِيبُهُ».
ويحفظُ على العِباد جميعَ أعمالِهم ولا يَغيب عنه شيءٌ من أقوالهم، ووكَّل بكلِّ إنسانٍ مَلَكاً يحفظ عمله، ويُحصي عليه ما يعمَله من طاعةٍ أو معصية، {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ}، وهي محفوظةٌ في صُحُف الملائكة كذلك، {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ}.
وأولياءُ اللَّه – مِنَ الأنبياءِ عليهم السَّلام وأتباعِهم – لهم مع ذلك حِفظٌ خاصٌّ، فهو سبحانه يَحْفَظهم عمَّا يضر إيمانَهم أو يزلزل إيقانَهم – من الشُّبه والفتن والشَّهوات -، ويحفظهم مِنْ أعدائهم من الجنِّ والإنس؛ فَيَنصرهم عليهم ويدفَع عنهم كَيْدَهم.
ومَن حَفِظ أوامر اللَّه بالامتثال ونواهيَه بالاجتناب، وحَفِظَ حدودَه ولم يتعدَّها؛ كان اللَّه معه في جميع أحواله حيث توجَّه؛ يحوطه ويَنْصُره، فيحفظ له دينه من الشُّبهاتِ والشَّهوات، ويحفظ لهُ دُنْيَاه، ويحفظهُ في أهله، ويحفَظُ عليه دينه عند الموت؛ فيتوفَّاهُ على الإيمان، قال عليه الصَّلاةُ والسَّلام: «احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ – أَوْ: أَمَامَكَ –» (رواه الترمذي).
وأنبياءُ اللَّه تعالى أَدَّوا رسالات ربِّهم، وأقامُوا الدِّين الذي ارتضاهُ اللَّهُ لعباده، ولاقَوْا في سبيل ذلك الشَّدائد والصِّعاب، وكان مفزعُهم عندها هو الحفيظُ سبحانه، فحَفِظَهم وعَصَمهم مِنَ الزيغ في التَّبليغ، وأُوذوا فَحَفظهُم مِن كيدِ أعدائهم.
أُلقي إبراهيمُ عليه السَّلامُ في نارٍ عظيمة لا تَذَر شيئاً أتت عليه إلَّا أحرقته، فتعلَّق بالحفيظِ سبحانه، وقال: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}؛ فنجَّاهُ اللَّه منها وصارتِ النَّار بَرْداً وسلاماً عليه.
وإسماعيلُ عليه السَّلام أضجَعَه أبوه ليذبحه كَمَا أمره ربُّه، فلمَّا استسلمَا لأمْرِ اللَّه وصدَّقا الرُّؤيا، وقال لأبيه: {افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}؛ فداهُ الحفيظُ بذِبحٍ عظيم.
ودعا هودٌ عليه السَّلام قومَه، فلمَّا أعرضوا عنه وتوعَّدوه بالأذى؛ فزِع إلى ربِّه الحفيظِ، وقال: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ} أي: يحفظني من شرِّكم وكيدكم، ومِنْ أن تَنالُوني بسوء.
وحِفْظُ اللَّه أكْمَل مِنْ حفظ البَشر؛ إخوةُ يوسف نسبُوا حِفظ يوسف لأنفسهم وقالوا لأبيهم: {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}؛ فأضاعوه، ولمَّا نسب يعقوبُ عليه السَّلام حفظَ يوسف وأخيهِ للَّه وقال: ﴿فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾؛ حَفِظَهُما اللَّهُ وردَّهما إليه وكانت لهما العاقبة، بل وجعل يوسف عليه السلام حفيظاً لحقوق عبادِه، قال يوسفُ عن نفسه: {إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}.
وأمُّ موسى عليه السَّلام ألقته رضيعاً في اليمِّ ثقةً بحفظِ اللَّه، فحفِظَه ربُّه، وصنَعَه على عينه في بيت عدوه، وجعله نبيّاً عظيم الشأنِ مِنْ أولي العَزْم من الرُّسل.
ويونُس عليه السَّلام الْتقمَه الحوتُ في ظلماتِ بطن الحوت والبحرِ والليل، فنادى ربَّهُ الحفيظ: {أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}؛ فاستجاب لهُ ربُّه ونَجَّاه من الغمِّ، وكذلك يُنَجِّي اللَّهُ المؤمنين، وما ضاع مجرداً في العَراء، {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ}.
وسليمانُ عليه السَّلام أُوتي مُلْكاً عظيماً، وسخَّر اللَّهُ له الجنَّ تأتمر بأمره وتصنع له العجائب، وكان اللَّه حافظاً له مِنْ تَمَرُّدِهم وأَذَاهم، قال تعالى: {وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ}، قال ابن كثيرٍ رحمه اللَّه: «أَيْ: يَحْرُسُهُ اللَّهُ أَنْ يَنَالَهُ أَحَدٌ مِنَ الشَّيَاطِينِ بِسُوءٍ، بَلْ كُلٌّ فِي قَبْضَتِهِ وَتَحْتَ قَهْرِهِ، لَا يَتَجَاسَرُ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى الدُّنُوِّ إِلَيْهِ وَالقُرْبِ مِنْهُ، بَلْ هُوَ مُحَكَّمٌ فِيهِمْ، إِنْ شَاءَ أَطْلَقَ، وَإِنْ شَاءَ حَبَسَ مِنْهُمْ مَنْ يَشَاءُ».
وعيسى عليه السلام سَعَتْ يَهودُ في قتله واستئصالِ رِسَالته، فرفعه اللَّه إليه حيّاً وحَمَاهُ من أيديهم، وفداه بشبيهٍ لَهُ مِنْ أعدائه، ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ﴾.
ونبيُّنا مُحَمَّد ﷺ خَتَم اللَّه به الرِّسالاتِ وتكفَّل بحفْظِهِ، فقال: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} أي: يحفظك مِنْ كيدهم ومكرهم، ويحفظ رسالتك وما جئتَ به، قال جابر رضي اللَّه عنه: «أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِذَاتِ الرِّقَاعِ، أَتَيْنَا عَلَى شَجَرَةٍ ظَلِيلَةٍ تَرَكْنَاهَا لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ المُشْرِكِينَ وَسَيْفُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مُعَلَّقٌ بِشَجَرَةٍ، فَأَخَذَ سَيْفَ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ فَاخْتَرَطَهُ – أَيْ: سَلَّهُ مِنْ غِمْدِهِ -، فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: أَتَخَافُنِي؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَمَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: اللَّهُ يَمْنَعُنِي مِنْكَ، فَأَغْمَدَ السَّيْفَ وَعَلَّقَهُ» (متفق عليه).
ولأتباع النَّبي ﷺ نصيبٌ مِنْ حِفْظ اللَّه لهم على قَدْر متابعتهم له، قال ابنُ القيِّم رحمه اللَّه: «لِأَتْبَاعِ النَّبِيِّ ﷺ نَصِيبٌ مِنْ حِفْظِ اللَّهِ لَهُمْ وَعِصْمَتِهُ إِيَّاهُمْ وَدِفَاعِهِ عَنْهُمْ وَإِعْزَازِهِ لَهُمْ وَنَصْرِهِ لَهَمُ، بِحَسَبِ نَصِيبِهِمْ مِنَ المُتَابَعَةِ؛ فَمُسْتَقِلٌّ وُمُسْتَكْثِرٌ».
والقرآنُ العظيمُ آخر الكتب وأكملُها، تكفَّل اللَّه بِحِفْظِه فقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، فلا تَناله الأَيْدِي بالتَّغْيِير والتَّبْدِيل، ولا يُزاد فيه باطل، ولا يُنقَص منه ما هو منه – مِنْ أحكامِهِ وحدُودِه وفرائضه -؛ فألفاظُه ومعانيه محفوظة، قال جلَّ شأته: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ}.
ولمَّا وَكَل اللَّه إلى أهل الكتاب حفظَ كتابهم، فقال: {بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ}؛ دخلها التَّحريفُ والتَّبديل.
والسَّماءُ بابُ الوحي إلى الأرض، واللَّه حَفِظها وحَرَسها بالملائكة والشُّهب؛ صيانةً لكتابِهِ مِنِ استراقِ الشَّياطين، {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ}.
ولا غِنى للعبدِ عن سؤال اللَّه الحِفْظ، كان النَّبي ﷺ يدعو ربَّه في طرفَي النَّهار بدعاءٍ جامع لأركان الحِفْظ، فيقول: «اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي» (رواه أبو داود)، أي: احفظني من شرِّ الجنِّ والإنس والهوام، ومِنْ شر إبليسَ الذي قال: {ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ}، واحفظني من البلاء النَّازل، ومنَ الخَسْفِ والعَذَاب وعامةِ المُهْلِكات.
والعبدُ حالَ نومِهِ عُرْضَة لأذية الجنِّ وغيرِهم له، ومَنْ قرأ آية الكرسي عند نومه لم يَزَلْ عليه من اللَّه حافظٌ، ولم يَقْرُبْه شيطانٌ حتى يُصْبِحَ (رواه البخاري).
ولا غِنَى للعبدِ عن اللَّه في يَقَظَتِه بعد مَنَامه، قال عليه الصلاة والسلام: «إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ فَلْيَقُلْ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبِّي، بِكَ وَضَعْتُ جَنْبِي، وَبِكَ أَرْفَعُهُ، إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَاغْفِرْ لَهَا، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا – أَيْ: رَدَدْتَ إِلَيَّ رُوحِي – فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ» (متفق عليه).
ومَنْ حَفِظَ حدودَ اللَّه – بامتثال ما أَمَر به على وجه الإخلاص، والإكمالِ له على أكمل الوجوه – أَدْخَله الجنَّة، قال تعالى: {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ}.
وبعدُ، أيُّها المسلمون:
فاللَّهُ عظيمٌ كبيرٌ مَعَ سَعَة الكونِ حَفِظَه بِمَن فيه؛ والنَّفسُ مَفْطُورةٌ على حُبِّ مَنْ يَحْفَظُها ويَحْرُسُها، واللَّهُ يَحْفَظُك في كلِّ مكانٍ وفي كلِّ زمان فهُو أَحَقُّ أنْ يُحَبَّ ويُطَاعَ، وَمَنِ استشعرَ حِفْظَ اللَّهِ لأعمَالِهِ أَوْرثهُ ذلك دوامَ مُراقبتِه.
وَمَنْ أيقن بأنَّ اللَّه وحْدَهُ حَفِيظٌ لكلِّ شيء، وأنَّ حِفظهُ للأشياء أكمَلُ مِنْ حِفْظ المخلوقين؛ توكَّل عليه في حِفْظِ دينه وأهلِه وولدِه ومَالِه وغيرها، وأعظمُ سببٍ يَتَّخذه العبدُ لِحفظ نفْسِه توحيدُ اللَّه وطاعتُه، واللَّه إذا استُودِعَ شيئاً حَفِظَه.
أعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم
{وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ}.
بارك اللَّه لي ولكم في القرآن العظيم …
الحمد للَّهِ على إحسانه، والشُّكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلَّا اللَّهُ وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمداً عبدُهُ ورسوله، صلَّى اللَّهُ عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّمَ تسليماً مزيداً.
أيُّها المسلمون:
مَنْ عَلِم أنَّ اللَّه حافِظٌ لكلِّ شيء وقادرٌ عليه لم يَرْكَنْ إلى الأسباب، وإنَّما يفعلها مع يقينِه بأنَّ الحفظ كلَّه بيد اللَّه، وأنَّ الأسبابَ قد يَتَخَلَّف مُقْتَضَاها؛ فَيَصْدُق في اللُّجُوء إلى اللَّه، ويتوجَّه إليه وحدَه في طلب الحفظِ والعِصمَةِ، والسَّلامةِ من المؤذيات، والنَّجاةِ من المهلكات.
ثمَّ اعلموا أنَّ اللَّه أمركم بالصلاة والسلام على نبيِّه …